إلعب مع طفلك!
إن الحياة جميلة و أجمل ما فيها أن يرضى الإنسان بما قدره الله له و يعيش حامدا شكورا لنعم الله عليه. أودّ من خلال هذه المقدمة البسيطة أن أتطرق إلى موضوع نعيشه و نتعايش معه.
كل الأمر، أن الموضوع الذي مما لا شك فيه، أن الحياة المعاصرة في زمن التكنولوجيا أصبحت مليئة بالطلبات التي لا تكاد أن تنتهي. لكن كيف يسعنا أن نتعامل مع هذه الطلبات ؟ و كيف يمكننا أن نصنف هذه الأولويات؟
إن الشغل أولوية، المال أولوية، الأكل أولوية، المظاهر أولوية…!! و كل منا حر في إختيار أولويات حياته. أما أنا فقد إخترت أسرتي و أولادي كأولوية رقم واحد في حياتي، و كرست جل وقتي و جهدي من أجل أولادي في الدرجة الأولى. لكن هذا خلق عندي اللاتوازن فصرت في صراع الحياة و زحمة المتطلبات التي لا تكاد أن تنتهي. فكان عليا إلا أن أعمل على تنظيم وقتي ما بين الحياة الأسرية و حياة الشغل، لأنه لا مجال لنجاح الفرد في المجتمع ما لم يكن هناك توازن بين الحياة الأسرية و الحياة العملية.
أجمل تجربة خضتها في حياتي- بعد الزواج طبعا – هي أن منحني الله عز و جل أجمل هدية. أحمد الله سبحانه و تعالى و أشكره، و هي إبراهيم الذي غير مسرى حياتي و به زادت سعادتي، و بدأت أحس و أعرف معه طعم المسؤولية، التي ما كانت لتتعدى في البداية في تغيير الحفاظات، الحليب، و تضحيتي ببعض السويعات من النوم في سبيل أن يحضى هو بالراحة و الطمأنينة.
و مع الوقت، صار إبراهيم يكبر شيئا فشيئا و سعادتي تكبر معه. و لكن بحكم أنني أعيش في الغربة، بعيدا عن الأهل و الأحباب، و لظروف المجتمع و المعتقدات، أصبح إبراهيم حبيس البيت، و هذا راجع لأولوية الشغل، فقررت مع والده أن نأخذه للحضانة. على أساس أنه يجد مع من يلعب و يملأ يومه بأشياء مفيدة، كالأشغال و الألعاب الذهنية و الرياضة،…ألخ
و في الأسبوع الموالي، و بعد أن تمت الإجراءات، إنتقل إبراهيم إلى الحضانة، و كان يوما صعبا على كلينا. فأنا لم أتوقف للحظة عن التفكير في إبراهيم و كل ساعة أتصل هاتفيا للسؤال عنه، و هو كذلك أخذ منه وقت للتعود على جو الحضانة و تكوين أصدقاء.
و في يوم، تعمدت الخروج باكرا لآخذ إبراهيم في نزهة، و عند وصولي إلى الحضانة، فكرت أن أفاجئه من خلال النافذة. لكن في الحقيقة هو من فاجئني في تعامله مع المربية و بقية الأطفال. فقلت في نفسي ” دعيني بعض الوقت أراقب تصرفاته ” و أنا أراقبه من نافذة القسم لمست تربيتي لإبراهيم من خلال تصرفاته مع زملائه و كيف أصبح لديه أصدقاء كثر، و كلهم يحبونه و يلعبون معه. كما لاحظت تعامل المربية مع إبراهيم و كيف كان يحكي معها و هي تضحك.
ثم طرقت الباب و استأذنت بالدخول لآخذ إبراهيم مغتنمة الفرصة للسؤال عنه و عن ماذا كان يروي للمربية ، لترد أنه كان يحكي لها عن الكارتون المفضل لديه، لعبته المفضلة و غير ذلك من عالم البراءة.

imanehedadji.com
بعدها خرجنا أنا و إبراهيم و في الطريق كنّا نتحدث و أسأله عن يومه كيف قضاه، فكان يجيبني و الفرحة تغمر عينيه. ففهمت أن التربية الصحيحة تكمن في التقرب من الطفل و فهم أفكاره، و منحه الفرصة للتعبير عن نفسه و احتياجاته. فقررت أن تجمعني مع إبراهيم زيادة عن كونه إبني، صداقة قوية، لأن الطفل عندما يكبر صدقوني لن يتذكر كم سروال و قميص اشتريت له، و لن يتذكر كم من وقت اشتهى لمأكولات و مشروبات تعبت لإنجابها له. و لكن سيتذكر كم من وقت خصصته للعب معه، و كم من فسحة خرجت معه، و كم مرة تسابقت معه.
هذه الممارسات و المعاملات تولد الثقة بالنفس عند الطفل و تجعله يُؤْمِن بمؤهلاته و تكوين شخصيته في المستقبل.
فلا تجعلوا الوقت يأخذ منكم أبناءكم، و اغتنموا الفرصة و اجعلوا أولادكم أولى أولوياتكم.

حسب الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، عندما يراقب الآباء أطفالهم في اللعب، أو ينضمون إليهم في مسرحية يحركها الطفل، يتم منحهم فرصة فريدة لرؤية العالم من وجهة نظر طفلهم، بينما ينتقل الطفل في عالم مخلوق بشكل مثالي فقط ليلائم احتياجاته.
فالآباء الذين لديهم فرصة لدخول عالم أطفالهم يتعلمون التواصل بشكل أكثر فعالية مع أطفالهم، و يتم إعطاؤهم بيئة أخرى لتقديم توجيه لطيف و رعائي.
قد يتمكن الأطفال الأقل شفاهة من التعبير عن آرائهم و تجاربهم و حتى إحباطاتهم من خلال اللعب، مما يسمح لوالديهم بالفرصة للحصول على فهم أكمل بمنظورهم.
بكل بساطة، اللعب يقدم للآباء فرصة رائعة للمشاركة الكاملة مع أطفالهم. فمن وجهة نظري، مهما كان يومك ، نظم ذالك اليوم و اجعل ذالك الفلك المكتظ له بابا واسعا لمنح الأولوية لإبنك، فساعة واحدة في الْيَوْمَ أو في الأسبوع مخصصة للعب مع أبناءنا لها أثر كبير في سلوكيات الطفل و مهاراته في حل المشاكل.
إذهبو إلى غرفة أطفالكم و إسألوهم هيا نلعب، و المشوار سوف يبدأ آنذاك.
